السبت، 9 مايو 2020

التخطيط النبوي لمواجهة الأحزاب - معركة الأحزاب

التخطيط النبوي لمواجهة الأحزاب - معركة الأحزاب :


.
 قام المسلمون بإجراءات دفاعية ووقائية عدة لحماية المدينة من غزو قوى الشرك المفترض ، وهي :

1 . استطلاع أخبار الأحزاب :
أخبر جبرائيل النبي ص بما عزم عليه اليهود والعرب ، وكانت أيضا عيون النبي ص المنتشرة حول يثرب ، وعلى طول المنطقة الممتدة منها إلى مكة ، وخصوصا عيون حلفاء عبد المطلب من بني خزاعة ، تنقل إليه الأخبار . فجمع النبي ص المهاجرين والأنصار وأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالجد والجهاد ، ووعدهم النصر إن هم صبروا واتقوا ، وأمرهم بطاعة الله ورسوله .

 2 . مشورة الأصحاب :
 استشار رسول الله ص أصحابه ، فقد كان يريد أسلوبا دفاعيا محددا يجهض الحركة العسكرية للأحزاب ، فقال : « أنبرز لهم من المدينة ، أم نكون فيها ونخندقها علينا ، أم نكون قريبين ونجعل ظهورنا إلى الجبل ؟ » . وأخذ أصحاب رسول الله يطرحون الاقتراحات ، ولكن سلمان المحمدي تدخل مبينا أهمية فكرة حفر الخندق ، والحكمة منها ، فقال : « یا رسول الله ، إنا إذ كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل خندقنا علينا ! ، فهل لك یا رسول الله ، أن نخندق ؟ » .
 فلاقت الفكرة إعجابا لدى المسلمين ، فإن حضارة الفرس ، وتراثهم الحربي ، وشهرتهم في مقارعة الروم كانت ماثلة في أذهان العرب ، فأحب المسلمون الثبات في المدينة ، وأعلنوا موافقتهم على المقترح ، وتحملوا بذلك مسؤولية الخيار والاختيار ، وهذا بالذات هو ما أراده خاتم النبيين من استشارتهم .
.
3 . حفر الخندق :
 انطلقت عملية تنفيذ مشروع دفاعي كبير ، فركب رسول الله ص فرسا له ، ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار ، وارتاد موضعا كان ينزله . كانت فكرة الرسول ص أن يجعل جبل سلع خلف ظهره ، فيأمن عدم إمكانية تطويقه والالتفاف عليه ، ثم يخندق ما بين جبل بني عبيد من المذاذ ، إلى ذباب ، إلى راتج ، فيكون الخندق أمامه ، ومعسكره في حضن الجبل ، تحت جبل سلع ، في الجانب المكشوف للخندق الذي امتد على طول الجهة الغربية الشمالية للمدينة ، والتي كانت تتخللها فتحات واسعة صحراوية مكشوفة للبيداء ، يمكن أن تستوعب ألوف الفرسان ، وتصلح ساحة للحرب وللحركة السريعة للجيوش ، وأما الجهتان الشرقية والجنوبية فقد تمتعتا بموانع طبيعية من جهة وجود جبال وصخور بركانية وتضاريس ، وأشجار نخيل كثيفة ومتشابكة ، تحد من حركة الجيوش الفاعلة ، وبموانع اصطناعية أخرى ، كبيوت المدينة التي كانت متشابكة ومتراصة من تلك الجهات . فقد كان سائر المدينة مشبکا بالبنيان ، والنخيل من كل ناحية وهي كالحصن لا يتمكن العدو منها .
وعلى الرغم من الفقر المدقع ، وبدائية الوسائل وأدوات الحفر ، فقد استطاعوا القيام بعمل ضخم في أيام عدة . ويبدو أن خاتم النبيين ص طلب من بني قريظة أن ينفذوا بنود الوثيقة والمعاهدة التي عقدها معهم بالنسبة إلى تقديم المعونة إلى المسلمين .
 فاستعار منهم آلات كثيرة ، من المساحي والفؤوس والمكاتل للحفر ، ثم وزع المسافة المطلوب حفرها على المهاجرين والأنصار ، وجعل على كل عشرين خطوة وثلاثين خطوة أو أربعين ذراعا عشرة من المهاجرين والأنصار .
 وكان النبي ص شخصيا الذي افتتح الحفر ؛ فحفر في موضع المهاجرين . وأخذ علي بن أبي طالب ينقل التراب الذي يخرج بالحفر ، وجعل رسول الله ص يعمل معهم في الخندق لينشط المسلمين ، فكانوا يعملون مستعجلين يبادرون قدوم العدو
 عليهم .
وكان المسلمون ينقلون التراب بالمكاتل ، ويرجعونها مملوءة بالحجارة ؛ فقد كانت من أسلحتهم الناجحة في تعطيل حركة المشركين ، وردعهم عن عبور الخندق . وكان علي بن أبي طالب ع وشيعته ، ومنهم عمار بن یاسر ، وسلمان المحمدي ، والمقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، أكثر الناس عناء وعملا في الخندق .
 وفي اليوم الثاني من بدء حفر الخندق ، ظهرت في باطن الخندق صخرة كسرت حديد المعول ، فطلبوا من سلمان أن يخبر النبي ص بأمرها ، فهبط النبي الله وبطنه معصوب بحجر بسبب الجوع ، ومعه علي بن أبي طالب ع ، فتناول رسول
 الله ص المعول ، وضرب به ضربة برق منه برق أضاء منه بين لابتي المدينة ، فكبر النبي ص وكبر المسلمون ، ثم ضربها ثانية ، فكبر وكبروا كذلك ، ثم الثالثة فكذلك أيضا ، فصدعها وتفتتنت .
 وكان إذا ما فرغت مجموعة من حصتها في الحفر ، انتقلت إلى حصة مجموعة أخرى لم تفرغ بعد ، فأعانتها عليها ، حتى تم حفر الخندق بأسرع وقت . وقد بلغ طول الخندق نحوا من خمسة آلاف ذراع ( ألفين وخمسمئة متر تقريبا ) ، وكان عرضه تسعة أذرع ( أربعة أمتار ونصف تقريبا ) ، وعمقه سبعة أذرع ( ثلاثة أمتار ونصف المتر تقريبا ) .
 وأصبحت المدينة بسبب حفر الخندق كالحصن .
 ولعل مدة حفره لم تتجاوز أربعة وعشرين يوما ، وفرغوا منه قبل وصول الأحزاب بثلاثة أيام ، ثم إن النبي ص جعل للخندق أبوابا ، وجعل على الأبواب حرسا . فقد وزع الحراس
على أبواب الخندق الثمانية ، وذلك حتى يقطع الطريق على أي عملية اختراق أمني لصالح المشركين .
 وكان الانضباط العام بأوامر النبي ص مسيطرا على الموقف ، ولكن برزت عناصر عديدة أدت إلى زلزلة هذا الموقف المتحد ، حيث تخلفت طائفة من المنافقين كانوا يعتذرون بالضعف ، وكانوا يستأذنون الحاجات وهمية ، كالذين كانوا يتسللون زاعمين أن بيوتهم عورة .
.
 4 . التعبئة العسكرية لمواجهة المشركين :
 بلغت رسول الله ص الأخبار عن قرب وصول جیش الأحزاب ، فندب المسلمين ودعاهم إلى القتال ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، ثم أعطى رايته لعلي بن أبي طالب ع . وجمع النساء والصبيان ، وجعلهم في حصون وآطام ، وهي البيوت
 المتراصة الخلفية للمدينة ، وجعل حراسا يطوفون في المدينة حذرا من تسلل المشرکین أو غدر بني قريظة ، وخرج لثمان خلون من ذي القعدة ، أو شوال ، في سبعمئة من المسلمين وما إن وصل إلى ناحية الخندق ، ارتاد العسكر المسلمین موضعا من سفح جبل سلع مکشوفا للخندق ، يؤمن الحماية للمسلمين في حال اختراق العدو . وجعل مركز قيادته
 في موضع عال يمكنه من مراقبة الحركة العامة لساحة المعركة .
.
المصدر : كتاب السيرة النبوية المباركة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق