ظهور قبيلة قريش :
.
كانت قبيلة جرهم قد جاءت إلى مكة مع قبيلة قطورا من اليمن ، بعد أن تدرجت مكة ، وأصبحت مدينة كبيرة ، وتكاثر أولاد إسماعيل ، ويبدو أن أهل مكة لم يكونوا قد
اشتغلوا بعد بالتجارة ، ويبدو أن هؤلاء الزوار الذين كانوا يتوافدون إلى مكة بهدف الزيارة وتأدية المراسم العبادية المتبعة ، كانوا في الوقت نفسه يقدمون بعض الأموال والهدايا
إلى الكعبة ، فكانت هذه الأموال سببا جوهريا في وقوع النزاع بين هاتين القبيلتين ، فكل واحدة تريد السيطرة والاستئثار بالمنافع ، وحُسمت نتيجة الصراع لصالح جرهم وبعد أن سيطرت جرهم على مكة ، لم تبادر إلى طرد أبناء إسماعيل من هذه المنطقة ، بل قامت بتوثيق العلائق معهم ، وإيجاد الصلات المختلفة التي من شأنها أن تشدّهم وتقارب في ما بينهم ، وقد عمدوا إلى إبرام معاهدة صلح معهم ، والتزم الفريقان بموجبها بحفظ حرمة المدينة .
في هذا الوقت ، كانت حالة أولاد إسماعيل قد تدهورت ، فتحولوا من حاكمين لهذه البلدة إلى محكومين فيها ، حيث كانت جرهم تبدو أقل عددًا ، وقد استأثرت بجميع الموارد لنفسها ، وعاشت حياة مترفة دب فيها الفساد والتهتك ، وزيادة الإتاوات المالية المفروضة على الزوار ، وببيع بعض الحلي والهدايا الثمينة التي كانت توضع في الكعبة .
ثم بدأت الاعتراضات تثار عليها من قبيلة خزاعة ، فحشدت حولها المعارضين ، وفي مقدّمتهم قبيلة بكر بن عبد مناة ، وانضم إليها كذلك أولاد إسماعيل الذين ضاقوا ذرعا بتصرّفات «جرهم» ، فاستطاعت خزاعة أن تهزم جرهم ، وأن تحل محلها ، وأن تسيطر على الموارد الكبيرة التي كانت تأتيهم دونما عناء .
كانت السلطة تنتقل في خزاعة بالوراثة إلى أن وصلت إلى آخر زعيم لهم ، وهو حليل بن حبشيّة . ويبدو أن هذا الرجل لم يُنجب سوى الإناث ، وكانت «حبى» إحدى بناته ، قد
تزوجها قصي بن كلاب ، فجعل حليل سدانة البيت إلى أحد بني خزاعة ، وكان سكيرًا يقال له أبو غبشان ، فاشتراها قصي منه بزق خمر ، أو عبر وصية له من عمه .
وهكذا ، بعد أن خضعت مكة بضعة قرون لنفوذ القبائل اليمنية المهاجرة ، استأثر بنو إسماعيل بقيادة قصي ، في أعقاب القضاء على سيطرة «خزاعة» . آخر هذه القبائل .
.
المصدر : كتاب السيرة النبوية المباركة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق