إسلام أبي ذر وثبات الموقف :
.
كان أبو ذر الغفاري رابع أو خامس من أسلم ، وكان يتأله في الجاهلية ، ويقول : لا إله إلا الله ، ولا يعبد الأصنام» ، سمع بمبعث النبي ص ، فأرسل أخاه ليستقصي له الخبر ، فرجع إليه ، ولم يشف له غليلا . فذهب هو بنفسه إلى مكة ، وكره أن يسأل عن النبي ص علانية، ورآه على ظل مضطجعا في ناحية المسجد الحرام ، فعرف أنه غريب ، فاستضافه ثلاثة أيام لا يسأله عن شيء ، ثم سأله أبو ذر عن النبي ص ، فأخذه إليه بصورة سريّة ، حتى لا يلتفت المشركون إلى طبيعة تحركاته وأهدافه ؛ حيث أمره أن يتبعه ، فإن رأى ما يخاف منه عطف كأنه يريد أن يقضي حاجة ، أو يصلح نعله .
لقد اعتمد أبو ذر على دعوة علي ع ، واستجاب له ونزل ضيفا عليه ، فقد رأى فيه حكمة وروية . كان علي ع يريد المحافظة على سلامة أبي ذر ، ولكنه كان حريصا أيضا على أن لا يلفت نظر المشركين إلى أنه كان يقوم بمهمة تعريف الناس إلى
النبي ص من أجل إدخالهم في الإسلام . وهكذا اعتنق أبو ذر الدين الجديد ، وكان أول من أحب عليا بن أبي طالب من المسلمين ، وأول من عرف مقامه وشأنه بعد رسول
الله ص ؛ وكان من أوائل من عُدّ من موالي علي ع وشيعته .
وبعد أن أسلم أبو ذر ، قال لرسول الله ص بعد أن مكث في مكة قليلا ، وقرأ شيئا من القرآن : «يا نبي الله ، ما تأمرني؟» ، فقال له رسول الله ص : «ترجع إلى قومك حتى يبلغك
أمري» . فقال أبو ذر: «والذي نفسي بيده ، لا أرجع حتى أصرخ بالإسلام في المسجد» .
وكأن أصل أن يفعل ذلك كان مسموحًا ، ولكن النبي ص كان يخاف على المسلمين الأوائل أن يُقتلوا ، فقال لأبي ذر : «إني أخاف عليك أن تقتل!» ، فقال أبو ذر : «لا بد منه ، وإن قتلت!» . فخرج إلى المسجد الحرام ، ونادى بأعلى صوته : «أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمّدًا رسول الله» ، ولم تكن المواجهة بعد قد وقعت بين قريش وبين النبي ص ،
فرأت في تصرّفه تحديًا لها ، واعتداء على شرفها وكبريائها ، فقام إليه المشركون ، وضربوه حتى أضجعوه ، فأتى العباس ، وأكب عليه ، وقال : «ويحكم ، ألستم تعلمون أنه من غفار ، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم؟» ، فتركوه ، ولكنه عاد في اليوم الثاني إلى مثل ذلك ، فخلصه العباس ، ولكن أبا ذر بخطوته العلنيّة تلك قدم درسا للجميع ، وباكرًا جدًا ، أنه يمكن كسر حاجز الخوف ، ومواجهة الأخطار ، وتحدّي طغيان قريش وجبروتها .
ولمّا ضرب أبو ذر ، جاء إلى النبي ص ، فقال : «يا رسول الله ، أمّا قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم ، ضربوني» . فخرج حتى أقام بعسفان ، وكلما أقبلت عير لقريش ، يحملون الطعام ، ينفر بهم على ثنية غزال ، فتلقي أحمالها ، فجمعوا الحنط ، ويقول أبو ذر لقومه : «لا يمس أحد حبة حتى تقولوا : لا إله إلا الله» ، فيقولون : «لا إله إلا الله» ، ويأخذون الغرائر . وحسب
نص آخر ، كان أبو ذر رجلا شجاعا ، يتفرّد وحده بقطع الطريق ، ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه ، أو على قدميه ، فكان يعترض لعبرات قريش ، فيقطعها ، ويقول : «لا
أرد إليكم منها شيئا ، حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله» . فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله ، ومضى بدر ، وأحد ، ثم قدم فأقام في المدينة .
وهكذا ، لقن أبو ذر قريشا درسا قاسيا ، وعلمها أنها لا تستطيع أن تتعامل مع الآخرين كما يحلو لها وكما تشتهي ؛ لأنهم يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم ، وأن يضغطوا عليها ،
وأسلم على يده نصف قبيلته غفار .
.
المصدر : كتاب السيرة النبوية المباركة
.
كان أبو ذر الغفاري رابع أو خامس من أسلم ، وكان يتأله في الجاهلية ، ويقول : لا إله إلا الله ، ولا يعبد الأصنام» ، سمع بمبعث النبي ص ، فأرسل أخاه ليستقصي له الخبر ، فرجع إليه ، ولم يشف له غليلا . فذهب هو بنفسه إلى مكة ، وكره أن يسأل عن النبي ص علانية، ورآه على ظل مضطجعا في ناحية المسجد الحرام ، فعرف أنه غريب ، فاستضافه ثلاثة أيام لا يسأله عن شيء ، ثم سأله أبو ذر عن النبي ص ، فأخذه إليه بصورة سريّة ، حتى لا يلتفت المشركون إلى طبيعة تحركاته وأهدافه ؛ حيث أمره أن يتبعه ، فإن رأى ما يخاف منه عطف كأنه يريد أن يقضي حاجة ، أو يصلح نعله .
لقد اعتمد أبو ذر على دعوة علي ع ، واستجاب له ونزل ضيفا عليه ، فقد رأى فيه حكمة وروية . كان علي ع يريد المحافظة على سلامة أبي ذر ، ولكنه كان حريصا أيضا على أن لا يلفت نظر المشركين إلى أنه كان يقوم بمهمة تعريف الناس إلى
النبي ص من أجل إدخالهم في الإسلام . وهكذا اعتنق أبو ذر الدين الجديد ، وكان أول من أحب عليا بن أبي طالب من المسلمين ، وأول من عرف مقامه وشأنه بعد رسول
الله ص ؛ وكان من أوائل من عُدّ من موالي علي ع وشيعته .
وبعد أن أسلم أبو ذر ، قال لرسول الله ص بعد أن مكث في مكة قليلا ، وقرأ شيئا من القرآن : «يا نبي الله ، ما تأمرني؟» ، فقال له رسول الله ص : «ترجع إلى قومك حتى يبلغك
أمري» . فقال أبو ذر: «والذي نفسي بيده ، لا أرجع حتى أصرخ بالإسلام في المسجد» .
وكأن أصل أن يفعل ذلك كان مسموحًا ، ولكن النبي ص كان يخاف على المسلمين الأوائل أن يُقتلوا ، فقال لأبي ذر : «إني أخاف عليك أن تقتل!» ، فقال أبو ذر : «لا بد منه ، وإن قتلت!» . فخرج إلى المسجد الحرام ، ونادى بأعلى صوته : «أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمّدًا رسول الله» ، ولم تكن المواجهة بعد قد وقعت بين قريش وبين النبي ص ،
فرأت في تصرّفه تحديًا لها ، واعتداء على شرفها وكبريائها ، فقام إليه المشركون ، وضربوه حتى أضجعوه ، فأتى العباس ، وأكب عليه ، وقال : «ويحكم ، ألستم تعلمون أنه من غفار ، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم؟» ، فتركوه ، ولكنه عاد في اليوم الثاني إلى مثل ذلك ، فخلصه العباس ، ولكن أبا ذر بخطوته العلنيّة تلك قدم درسا للجميع ، وباكرًا جدًا ، أنه يمكن كسر حاجز الخوف ، ومواجهة الأخطار ، وتحدّي طغيان قريش وجبروتها .
ولمّا ضرب أبو ذر ، جاء إلى النبي ص ، فقال : «يا رسول الله ، أمّا قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم ، ضربوني» . فخرج حتى أقام بعسفان ، وكلما أقبلت عير لقريش ، يحملون الطعام ، ينفر بهم على ثنية غزال ، فتلقي أحمالها ، فجمعوا الحنط ، ويقول أبو ذر لقومه : «لا يمس أحد حبة حتى تقولوا : لا إله إلا الله» ، فيقولون : «لا إله إلا الله» ، ويأخذون الغرائر . وحسب
نص آخر ، كان أبو ذر رجلا شجاعا ، يتفرّد وحده بقطع الطريق ، ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه ، أو على قدميه ، فكان يعترض لعبرات قريش ، فيقطعها ، ويقول : «لا
أرد إليكم منها شيئا ، حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله» . فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله ، ومضى بدر ، وأحد ، ثم قدم فأقام في المدينة .
وهكذا ، لقن أبو ذر قريشا درسا قاسيا ، وعلمها أنها لا تستطيع أن تتعامل مع الآخرين كما يحلو لها وكما تشتهي ؛ لأنهم يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم ، وأن يضغطوا عليها ،
وأسلم على يده نصف قبيلته غفار .
.
المصدر : كتاب السيرة النبوية المباركة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق