الجمعة، 8 مايو 2020

إجلاء بني قينقاع عن المدينة وحصارهم

إجلاء بني قينقاع عن المدينة وحصارهم :
.
كان بنو قينقاع من أشهر قبائل اليهود وأشجعهم ، وأكثرهم مالا ، وأشدّهم بغيا واستكبارا ، وكانوا يسكنون أقرب الأحياء إلى المدينة ، ويحتكرون الصناعات الذهبية في يثرب ؛ حيث اتخذوا سوقا خامًا حمل اسمهم ، وكانوا حلفاء لعبد الله بن أبي المنافق ، ولعبادة بن الصامت .
وهم أول من قبل العهد الذي كان بينهم وبين النبي ص ، بعد أن كتبت إليهم قريش في قتال النبي ؛ فاستجابوا لطلبها ، وبعدما قدم رسول الله إلى المدينة بعد بدر ، اعتدوا على امرأة مسلمة كانت في سوق لهم ، فقام رجل من المسلمين وقتل المعتدي عليها ، واجتمع بنو قينقاع على المسلم فقتلوه . وبذلك حاربوا رسول الله ، ونبذوا العهد بينهم وبينه .
غضب المسلمون ، وقال النبي ص : «ما على هذا قررناهم» ، فتبرّا عبادة بن الصامت من حلفهم ، وكان هذا أول انهيار في جدار التحالف التاريخي بينهم وبين الخزرج ، ولكن ابن أبي سلول تمسّك بهذا الحلف .
جمع النبي ص يهود بني قينقاع في سوقهم ، وقد أراد أن يدعوهم إلى الإسلام ، فلا يطالبهم بالانتقام للمسلم المقتول إلا قصاصا بل وعفوا ، ثم ينذرهم بحرب كحرب بدر فرفضوا الإسلام ، ثم تحصنوا في حصونهم .
استخلف النبي ص على المدينة أبا لبابة ، وسار إليهم يوم السبت للنصف من شوّال على رأس عشرين شهرا من الهجرة ، يحمل لواءه الإمام علي بن أبي طالب ع ، فحاصرهم
في حصنهم خمس عشرة ليلة أشدّ الحصار ، وهم لزمواحصنهم ، فما رموا بسهم ولا قاتلوا ، ونشبت بينهم وبين المسلمين معركة الإرادة والصبر ، فظنّوا للوهلة الأولى أنهم
مانعتهم حصونهم ، وأن خاتم النبيين سوف يتراجع أمام صمودهم ومناعة حصونهم .
ولكنّ النبي خاض معركة الصبر والعتاد والإصرار على الاستمرار في المعركة ، وفي قمة التحدّي ، قرروا التنازل ، وانهارت عزيمتهم ، فاقترحوا على رسول الله ص أن يغادروا
حصونهم ، وقالوا : «أفننزل وننطلق  . ولكنه رفض إلا أن ينزلوا منها مستسلمين ، خاضعين لحكمه ، وقال لهم : «لا إلا على حكمي» .
فنزلوا على صلح رسول الله وحكمه ، على أن تكون أموالهم لرسول الله ص ، ولهم الذرية والنساء ، فلما نزلوا وفتحوا حصنهم ، قبض رسول الله أموالهم ، وأمر بهم أن يجلوا من
المدينة ، وطلبوا إمهالهم أياما عدة حتى يستطيعوا ترتيب أوضاعهم وتحصيل ديونهم ، فأمهلهم خاتم النبيين ثلاثة أيام
ونزل بنو قينقاع في بيوت ومنازل يهود وادي القرى ، وأقاموا فيهم شهرا ، ثم ساروا حتى لحقوا بأذرعات بالشام .
وهكذا خلت المدينة من أقوى وجود يهودي داخلها ، وكانوا يتوقعون تدخل حلفائهم من الخزرج ، ولم ينتبهوا إلى أن عقد الولاء الجاهلي قد انفرط وحل محله الولاء للإسلام ، وأن ابن أبي لم يكن ليستطيع حشد الخزرج إلى جانبهم ؛ لأنه لم يعد يسيطر عليهم كليا، وأية محاولة منه ضدّ النبي ص كانت سوف تقسم الخزرج ، وتؤدي إلى حرب داخليّة .
.
المصدر : كتاب السيرة النبوية المباركة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق