بداية دخول الإسلام إلى يثرب :
.
كانت الحرب سجالا بين الأوس والخزرج ، وكانت قريش تمرّ على يثرب في طريقها التجاري إلى بلاد الشام ، ولا شك في أن شعورًا بوجوب رد الجميل إلى قريش دفع بقبيلة الأوس إلى أن تبحث عن حليف عسكري لها في قريش ضد أختها الخزرج ، فأرسلت الأوس وفدًا بقيادة أنس بن رافع ، فيه أياس بن معاذ لطلب الحلف مع قريش ضدّ قومهم من الخزرج ، ولكنّ فألهم خاب من جهة ، إذ لم تكن قريش لتدخل في هذه الأحلاف وهي تحتاج إلى أمن قوافلها ، وخاب من جهة أخرى ، فقد ذهب الأوس يطلبون نارا فعادوا بالإسلام ، إذ سمع بهم رسول الله ص ، فأتاهم وجلس إليهم ، وعرض عليهم الإسلام ،
فأسلم أياس بن معاذ ، وطلب من الوفد أن يقتنص الفرصة فأبوا ذلك ، ويظهر أنّ هذا الوفد لم يشكل بداية الانتشار الإسلام في يثرب .
ثم شبت نار العداوة ثانية بين الأوس والخزرج ، ولكن هذه المرّة تميّزت بموقف غير طبيعي ، ولا يتناسب مع طبائع الجاهليّة . فقد رفض عبد الله بن أبي بن أبي سلول ، شيخ
الخزرج ، موقف قبيلته ، وعدّها ظالمة في حربها مع الأوس ، وأعلن أنه لن يشارك في هذه الحرب لأن الخزرج ظالمة . فنشبت الحرب بينهما ، وعُرفت بحرب بعاث ، انتصرت
فيها الأوس ، ولكنها حفظت له موقفه ، فأصبح عزيزا عند الأوس ، ونشأت فكرة تكريمه بتنصيبه زعيمًا على يثرب ، وابتدئت إجراءات التنصيب في تلك المرحلة ، خرج أسعد بن زرارة ، وذكوان بن عبد القيس الخزرجيّان في أحد المواسم ، يسألان قريشا الحلف بينهم على الأوس ، إلا أنهما فشلا في تحقيق ذلك .
فقريش تحتاج إلى إيلاف مع الجميع لصون طريقها التجاري ، ولا تغامر في الدخول في أتون الصراعات القبليّة ، فقد كانت تجارتها هي التي تحدد سياستها .
وكان هذا الوفد قد وصل إلى مكة في أيام العمرة في رجب ، في آخر سنوات الحصار في الشعب ، وهي السنة العاشرة للبعثة . وكان رسول الله وبنو هاشم يغادرون منطقة
الشعب حيث حاصرتهم قريش للطواف بالبيت ، والاتصال بالوفود والتجار القادمين .
كان النبي ص قد خرج مع مجموعة من بني هاشم ليشهدوا الموسم ، وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم كالنضير ، وقريظة ، وقينقاع أن هذا أوان نبيّ يخرج بمكة ؛ يكون مهاجره إلى المدينة ، لنقتلكم به يا معشر العرب .
فلما سمع أسعد بأخبار ظهور النبي ص ، وقع في قلبه ما كان قد سمعه من اليهود ، فقال : «فأين هو؟» . دخل أسعد المسجد ، وقد حشا أذنيه بالقطن ، فطاف بالبيت ورسول
الله ص جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم ، فنظر إليه نظرة فجازه . ولما كان في الشوط الثاني قال لرسول الله ص : «أنعم صباحا» . فرفع رسول الله رأسه إليه ، وقال: «قد
أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا تحية أهل الجنة : السلام عليكم» .
فقال له أسعد : «إنّ عهدك بهذا القريب ، إلام تدعو يا محمد؟».
قال : «شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وأدعوكم إلى: ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ، نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلزا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها وإذا قلتم فأعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذالكم وصاكم به لعلكم تذكرون ) .
فلما سمع أسعد بهذا ، قال : «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك رسول الله . ثم رجع إلى المدينة ، وكانت هنا البداية في انتشار الدعوة الإسلامية في مدينة يثرب .
وإن كان هذا الوفد قد فشل في الحصول على حلف مع قريش ، لكنه نجح في الحصول على نور الهداية ، وعاد إلى يثرب وهو يحمل من دون أن يعلم مشروعا لا يتناسب مع طموحات عبد الله بن أبي في الزعامة ، ولم يخطر ببالي أسعد وذكوان أن طريقا جديدًا قد فتحاه أمام الدعوة النبوية .
.
المصدر : السيرة النبوية المباركة
.
كانت الحرب سجالا بين الأوس والخزرج ، وكانت قريش تمرّ على يثرب في طريقها التجاري إلى بلاد الشام ، ولا شك في أن شعورًا بوجوب رد الجميل إلى قريش دفع بقبيلة الأوس إلى أن تبحث عن حليف عسكري لها في قريش ضد أختها الخزرج ، فأرسلت الأوس وفدًا بقيادة أنس بن رافع ، فيه أياس بن معاذ لطلب الحلف مع قريش ضدّ قومهم من الخزرج ، ولكنّ فألهم خاب من جهة ، إذ لم تكن قريش لتدخل في هذه الأحلاف وهي تحتاج إلى أمن قوافلها ، وخاب من جهة أخرى ، فقد ذهب الأوس يطلبون نارا فعادوا بالإسلام ، إذ سمع بهم رسول الله ص ، فأتاهم وجلس إليهم ، وعرض عليهم الإسلام ،
فأسلم أياس بن معاذ ، وطلب من الوفد أن يقتنص الفرصة فأبوا ذلك ، ويظهر أنّ هذا الوفد لم يشكل بداية الانتشار الإسلام في يثرب .
ثم شبت نار العداوة ثانية بين الأوس والخزرج ، ولكن هذه المرّة تميّزت بموقف غير طبيعي ، ولا يتناسب مع طبائع الجاهليّة . فقد رفض عبد الله بن أبي بن أبي سلول ، شيخ
الخزرج ، موقف قبيلته ، وعدّها ظالمة في حربها مع الأوس ، وأعلن أنه لن يشارك في هذه الحرب لأن الخزرج ظالمة . فنشبت الحرب بينهما ، وعُرفت بحرب بعاث ، انتصرت
فيها الأوس ، ولكنها حفظت له موقفه ، فأصبح عزيزا عند الأوس ، ونشأت فكرة تكريمه بتنصيبه زعيمًا على يثرب ، وابتدئت إجراءات التنصيب في تلك المرحلة ، خرج أسعد بن زرارة ، وذكوان بن عبد القيس الخزرجيّان في أحد المواسم ، يسألان قريشا الحلف بينهم على الأوس ، إلا أنهما فشلا في تحقيق ذلك .
فقريش تحتاج إلى إيلاف مع الجميع لصون طريقها التجاري ، ولا تغامر في الدخول في أتون الصراعات القبليّة ، فقد كانت تجارتها هي التي تحدد سياستها .
وكان هذا الوفد قد وصل إلى مكة في أيام العمرة في رجب ، في آخر سنوات الحصار في الشعب ، وهي السنة العاشرة للبعثة . وكان رسول الله وبنو هاشم يغادرون منطقة
الشعب حيث حاصرتهم قريش للطواف بالبيت ، والاتصال بالوفود والتجار القادمين .
كان النبي ص قد خرج مع مجموعة من بني هاشم ليشهدوا الموسم ، وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم كالنضير ، وقريظة ، وقينقاع أن هذا أوان نبيّ يخرج بمكة ؛ يكون مهاجره إلى المدينة ، لنقتلكم به يا معشر العرب .
فلما سمع أسعد بأخبار ظهور النبي ص ، وقع في قلبه ما كان قد سمعه من اليهود ، فقال : «فأين هو؟» . دخل أسعد المسجد ، وقد حشا أذنيه بالقطن ، فطاف بالبيت ورسول
الله ص جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم ، فنظر إليه نظرة فجازه . ولما كان في الشوط الثاني قال لرسول الله ص : «أنعم صباحا» . فرفع رسول الله رأسه إليه ، وقال: «قد
أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا تحية أهل الجنة : السلام عليكم» .
فقال له أسعد : «إنّ عهدك بهذا القريب ، إلام تدعو يا محمد؟».
قال : «شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وأدعوكم إلى: ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ، نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلزا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها وإذا قلتم فأعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذالكم وصاكم به لعلكم تذكرون ) .
فلما سمع أسعد بهذا ، قال : «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك رسول الله . ثم رجع إلى المدينة ، وكانت هنا البداية في انتشار الدعوة الإسلامية في مدينة يثرب .
وإن كان هذا الوفد قد فشل في الحصول على حلف مع قريش ، لكنه نجح في الحصول على نور الهداية ، وعاد إلى يثرب وهو يحمل من دون أن يعلم مشروعا لا يتناسب مع طموحات عبد الله بن أبي في الزعامة ، ولم يخطر ببالي أسعد وذكوان أن طريقا جديدًا قد فتحاه أمام الدعوة النبوية .
.
المصدر : السيرة النبوية المباركة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق